الصين والعلامات التجارية الكبيرة.. كيف تأثر كل منهما بالآخر؟
إن قصة الاقتصاد الصيني قديمة جداً، حيث بدأت حين ظهر كاقتصاد آسيوي صغير ومن ثم ازدهر ليصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. ومع عدد السكان الذي يبلغ نحو 1.4 مليار نسمة ومع تنامي هذا العدد، فإن لدى التنين الأحمر القوة الكافية للفت الانتباه وبث المخاوف لدى أكبر الشركات ذات العلامات التجارية في جميع أنحاء العالم لقدراته التنافسية التي يتميز بها.
اقتصاد تسيطر عليه الحكومة
قبل تسعينيات القرن الماضي، كانت الحكومة الصينية تتحكم بشكل كامل في الأنشطة التجارية للبلاد. ولأن نادراً ما كان الجميع قادرين على الحصول على ضروريات الحياة، لم يتم تحديد مقدار القوة الشرائية من خلال معرفة نسبة الطلب الشامل على المنتجات والخدمات ولكن عبر البرامج والإجراءات التي ترعاها الدولة. لذلك، لم يتم إعطاء المجال والمساحة الكبيرة للتسويق والترويج واستهداف الجمهور.
صحوة الصين العظيمة
في مطلع القرن الحالي، قامت الصين بإصلاحات اقتصادية حقيقية، حيث قامت بتوسيع وتنويع إمكاناتها الإنتاجية وتعزيز الاستهلاك وتقوية مكانتها في السوق. ونتيجة لذلك؛ فقد بدأت في إطلاق حملاتها التسويقية والعلامات التجارية الخاصة بها، وظهرت كسوق استهلاكي عالمي رئيسي، وخاصة في مجال التسويق الإلكتروني والإلكترونيات والملابس والصناعات الفنية.
وفي ذلك الوقت، قامت أيضاً بتقليد الكثير من الأنماط والنماذج الموجودة في الأسواق الغربية، وهذه كانت هي الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل التنافس المستمر بينها وبين الغرب فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية.
ولم يتم ملاحظة تداعيات هذه الصحوة في الصين فقط، ولكن تم التنبه إليها أيضاً في العالم أجمع لأنها كانت قادرة على الانتشار تدريجياً إلى باقي الدول؛ حيث شعرت الشركات الغربية التي تبلغ عائداتها مليارات من الدولارات بأن الصين أصبحت تتفوق عليها، لذا فقد كانت مستعدة علناً للتجاوز عن انتهاكات الأخيرة لحقوق الإنسان.
التسويق المبني على ولاء العملاء
إن سياسة الحفاظ على ولاء العملاء للأسواق الصينية التي تحرص من خلالها الشركات الصينية على الحفاظ على عملائها الحاليين من خلال تقديم العروض التشجيعية لهم، كانت ولا تزال سياسة قوية حتى هذه اللحظة. وخير مثال على ذلك هو قطاع الاتصالات في الصين الذي احتكرته ثلاث شركات مملوكة من قبل الدولة، وهي تتبع نفس هذه السياسة لعقود من الزمن، لذا فإنها ومنذ ذلك الحين أخفقت في النمو والتوسع أكثر في هذا القطاع لتركيزها فقط على هذا النهج "الولائي".
وأدّى هذا الوضع الهش إلى التسبب بفراغ كبير لم تستطع ملءه سوى الشركات المتقدّمة، وكانت الشركات ذات العلامات التجارية الغربية هي أكثر من كان سعيداً للمشاركة في سد هذا الفراغ؛ حيث تمكنت أسماء كبيرة مثل ((Adidas و (Coca-Cola) و ((Apple والعديد من الشركات الأمريكية الأخرى من التأكيد على مكانتها في عقلية المستهلك وحياته اليومية في أكثر دول العالم اكتظاطاً بالسكان.
استعادة الصين لسيطرتها على أسواقها
بعد عقد من التنافس التجاري المستمر مع الولايات المتحدة، والمخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني، والاتهامات الموجّهة إليها بانتهاك حقوق الإنسان؛ تعرّضت الصين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لانتقادات من الحكومات والهيئات الدولية والشعوب. وقد شعر الشعب الصيني أن دولتهم تتعرض للهجوم باستمرار، وما يُثبت ذلك هو المقاطعة الدبلوماسية الغربية الأخيرة لأولمبياد بكين الشتوية في بكين. ونتيجة لذلك، قرر الصينيون اتخاذَ موقف جماعي ضد جميع العلامات والشركات التجارية الأجنبية، وخاصة تلك الموجودة في الصين والتي واجهت رفضاً وانتقاداً من قبل الشعوب الغربية بما في ذلك (Nike) و (Adidas). ونتيجة لهذا التحول المتزايد نحو الأسواق الصينية والابتعاد عن الشركات ذات العلامات التجارية العالمية، تمكّنت الشركات المحلية أخيراً من الإطاحة بمثل هذه الأسماء العالمية للمرة الأولى.
وبالرغم من قوة الشعب الصيني وولائهم المتزايد ودعمهم غير المشروط للحكومة الصينية، إلا أنه لا توجد أي شركة ذات علامة تجارية غربية مستعدة لأن تفقد وجودها في الصين وذلك لأسباب اقتصادية واضحة. ومع ذلك، قد لا يكون هذا الولاء كافياً لإبقاء العلامات التجارية الصينية المحلية على رأس القائمة في مثل هذا السوق الذي يتزايد الطلب عليه باستمرار. وختاماً، فإن الحفاظ على النمو والنجاح لمدة طويلة ليس سهلاً كما هو الحال عند تأسيس علامة تجارية جديدة.