كيف تواجه البنوك المركزية التضخم؟
التضخم هو أحد المصطلحات التي تلفت انتباه أي شخص في العالم؛ فمن منّا لا ينتابه القلق حول احتمالية أن يقوم بخسارة قيمة النقود التي يمتلكها لشراء أي شيء يريده أو
حول حقيقة أن الأسعار قد ترتفع؟
وبالنظر إلى الأهمية الكبيرة للتضخم، كان من المهم إسناد مثل هذه المسألة الحساسة إلى الهيئات النقدية التي لديها سلطة وخبرة في ذلك؛ وهي البنوك المركزية. وبعكس الاعتقاد السائد؛ فإن التضخم ظاهرة يُمكن للبنك المركزي والحكومة التحكّم فيها والسيطرة عليها؛ فحتى عام 1980، شهد العالم بعض الفترات التي تخلّلتها حالات تضخم كبيرة وركود والتي نتجت بشكل مباشر عن السياسات النقدية التسهيلية التي تتبعها البنوك المركزية خاصة فيما يتعلق بطباعة النقود وتخفيض أسعار الفائدة. ومنذ ذلك الحين؛ أدركت هذه البنوك كيف تقوم بتطوير أدوات أفضل وأكثر كفاءة لرفع مستوى الاقتصاد دون تعرّضه لخطر التضخم واتخاذ إجراءات احترازية وفعّالة لمكافحته في حال أصبح أمراً محتوماً ولا مفرّ منه.
وما تفعله معظم البنوك المركزية اليوم هو اتباعها لما يُعرف باستراتيجية "استهداف التضخم" التي تتضمن التزامها الرسمي بمعدّلات تضخم صحية ومطلوبة يتم تحديدها سابقاً استناداً إلى المعايير والأدوات التي تقيس المعدّلات الحالية والظروف الاقتصادية المستقبلية المتوقعة التي من المرجح أن يكون لها تأثير على التضخم.
ويأتي ذلك كجزء من السياسة النقدية التي تتبعها البنوك المركزية عادة لتحقيق أقصى قدر من التوظيف ولتعديل أسعار الفائدة على المدى القصير والطويل والوصول إلى
أسعار مستقرة. وهذه الأخيرة هي ما تلجأ إليه معظم هذه البنوك للسيطرة على التضخم. ويتم ذلك من خلال استخدام الأدوات النقدية بهدف السيطرة على/والحد من التقلّبات المالية داخل الاقتصاد. وبعض الأدوات المالية التي يتم استخدامها على نطاق واسع هي كالتالي:
- سعر الفائدة: إن زيادة أسعار الفائدة تجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة وهذا من شأنه أن يُقلل من الاستثمار والاستهلاك والطلب والإنتاج وبالتالي إبطاء التضخم.
- عمليات السوق الحرة: تُشير إلى قيام البنوك المركزية بشراء وبيع السندات الحكومية والأوراق المالية الأخرى للعامّة، وهذا يساعدها على التحكّم بالمعروض النقدي وأسعار الفائدة. فبيع الأوراق المالية يُقلّل من الأموال المتداولة؛ وبالتالي زيادة أسعار الفائدة، أما شراء هذه الأوراق فيزيد من الأموال المتداولة ويجعل تكلفتها أقل وبالتالي فإن ذلك يُسهّل عمليات الاقتراض.
- متطلبات الاحتياطي النقدي: تتعلق بكمية النقد المتوفر والذي يتعين على البنوك قانونياً الاحتفاظ بها لدعم الودائع التي تحوزها من العامة. ومع رفع البنوك المركزية لهذه المتطلبات، فهي تشعر بالحاجة إلى قيامها بتقليص قروضها والحد من النمو وتقليل كمية الأموال في الاقتصاد، والعكس صحيح.
هذه الأدوات والعديد من أدوات السياسة النقدية الأخرى للبنوك المركزية هي الأساس لتحقيق تقدُّم هائل يُمكّن العالم من أن يكون جزءاً منه ليكون أكثر كفاءة وقدرة على إدارة التضخم والركود ودورات الازدهار والكساد المتكررة التي يشهدها الاقتصاد.